دمشق – غانم محمد
عندما تبدؤون الجدّ ستجدون الآفاق أكثر اتساعاً، وعندما تنطلقون ستدفعكم الثقة إلى الفعل الحاضر بعيداً عن الماضي، ودون تسلّق على الآتي…
لا أنطلق من شتم وسباب ما مضى، فقد نال ماضي رياضتنا الأسود ما يستحقه من النقد والتشريح، وطالنا منه على قدر ما وقفنا ضدّه، ولأن الوقوف على الأطلال، حتى لدى شعراء الجاهلية، لم يكن إلا تمهيداً للذهاب إلى ما هو أهمّ، ونحن سنذهب إلى الأهمّ فوراً…
لنتفق أولاً على بضعة مصطلحات في سياق ورودها المحتمل في هذا المقال، ومنها بداية ما هو أكبر من مصطلح وأعني سوريا الحبيبة، فهي سوريا الجامعة، سوريا بكلّ أطيافها وألوانها، وعندما نقول الرياضة السورية فهي تعني الجميع ولا تخصّ جهة دون أخرى، وعندما نعرّج على المال العام فهو مال السوريين، كلّ السوريين، وإذا ما تطرقنا إلى الحلم فهو الحلم الذي يجمعنا، وليس الذي يعتقده البعض تشفياً من طرف، أو انتصاراً لآخر..
ولنتفق أيضاً أن الأمّ، أي أمّ، ليست مجرد ثديّ نهجره إن جفّ، ونجرّب البدائل لمجرد التجريب، وسوريا أمّنا جميعاً ولو كان بعضنا عاقاً!
ولنتفق أيضاً أنّ أي نبرة خارج النبض السوري الوطني تعادل سمّ عشرة أفاعٍ أو أكثر، ولا أحد يرغب بتذوّق طعم السمّ..
أيضاً، يجب أن نتفق أنّه حتى الذين أخطؤوا، أو كانوا ضمن مشهد خطأ، ليسوا خارج المشهد الحالي، أو أنّه من الصحّ أن نركنهم خارج المعادلة، فهناك ما يجب القيام به أهمّ بكثير من مضيعة الوقت بتوزيع شهادات الوطنية…
مقدمات على عجل
* من يصعب عليه توجيه التحية لمن حاول سابقاً سيصعب عليه الإخلاص في العمل حالياً، أو تحمّل احتمال الفشل، فنحن نأمل وسنحاول النهوض برياضة سورية عاشت تحت (ركام محاولات فاشلة)، واكتوت بنيران (جهلة) أضرموها ليحتطبوا في ميادينها، ولم يكن المشهد جلياً بما فيه الكفاية للفصل التام بين الطرفين، وقد يتحول أحدهما إلى الآخر حسب الموقف، وبالتالي، فإن تنقية (النيّات) وتصفيتها، وتوسيع فتحة الفرجار ونحن نعبر إلى الخير القادم عنوان مهم للنجاح.
* من يعتقد أن كلّ ما مضى كان فشلاً خالصاُ لن يستطيع فكّ الأغلال من (فكره)، وبالتالي ستكون رؤيته للآتي قاصرة، ولن يتمكّن من وضع الحلم موضع التنفيذ…
* المادة الخام للرياضة السورية هي نحن، مواهب وأندية وقادة وإداريين ورجال فكر وجمهوراً وقرارات… إلخ، وإن عرجَ أيّ منّا سيصيب القافلة بالذهول، وبالتالي سياسة الالتقاء هي المطلوبة لا بعض صرخات الإبعاد التي نسمعها بين الحين والآخر..
* الفضاء الرحب الذي نتحدث عنه هو قدرتنا على تقبّل بعضنا، ورغبتنا بتوحيد جهودنا، ودمجها في محاولات جادة لكسب دعم الأصدقاء والأشقاء، كلّ حسب موقعه، وحسب قدرته…
الأهمّ حالياً..
بعد مطالبات كثيرة، ورغبات عتيقة، تمّ إنشاء وزارة للرياضة والشباب في سوريا، وهذا الأمر لا تكتمل أهميته إلا إذا خرجنا من محتوى الاتحاد الرياضي إلى عقلية الوزارة حقاً لا الاكتفاء بالتسميات، وقررنا بكلّ إرادتنا وصدقنا وعنفواننا أن نبني رياضة سورية واضحة المعالم، وتستطيع هذه الوزارة أن تطوّع السياسة لخدمتها بدل التباكي من التقييد والتدخّل (وذاكرتنا القريبة بهذا الشأن حافلة بما هو مقرف بدءأ من التعيينات ووصولاً إلى أهمّ القرارات) …
لا أعرف تماماً (هيكلية وبنيوية) الوزارة الجديدة، لكني أعرف العديد من أشخاصها، وهم من الرياضيين الحقيقيين، وهذا يدعو للتفاؤل…
تحتاج وزارة الرياضة السورية مزيداً من الوقت لتبني نفسها، وتبلور مهامها، وترسم دورها، وسيكون بإمكاننا الانتظار…
لا يهمّ إن تأخرت القرارات الاستراتيجية، الأهم أن تأتي مدروسة تماماً، وتحمل معها مقومات التنفيذ الدقيق والإيجابي، ولا يهمّ إن كان الموقف (الفيسبوكي) مؤيداً أو معارضاً، المهمّ أن تكون الثمار ناضجة ولذيذة ومن أجل رياضة الوطن أولاً، وجمهور رياضة الوطن ثانياً…
لدينا الكثير من الأحلام، هذه الأحلام التي لن تكون إلا بأضعاف أضعافها من الجهد والعمل الشاق، وأن تحرسها الأفئدة، وتذكّيها الآمال…
في الجانب التقني (الوزاري)، يجب نسف مقولة (الرياضة الجماهيرية)، واستبدالها بـ (الرياضة النوعية)، وخمسة ملاعب جيدة (كاملة الأوصاف)، خير من مئة ملعب من فئة (ثورة المنشآت)، وخمس صالات مجهّزة خير من عشرين أخرى (تدلف) ولا توجد بها كهرباء مثلاً…
في الجانب العاطفي (الجماهيري)، فإن ما يشغل بالنا هو أن نخرج من المقارنات السلبية إلى التحدّي الإيجابي، تحدّي أنفسنا لأنفسنا، والبحث في أعماق هذه النفس عن أفضل ما لديها من طاقة ورغبة لاستنهاض ما يمكن استنهاضه ووضعه في (مطمورة الفرح)، والتي على الجميع أن يشارك بها…
وزارة الرياضة ومديرياتها في المحافظات، وبكثير من الجهد الصادق يمكنها أن تضع كل شخص في مكانه المناسب، وأن توفر له مقومات العمل (المنتج) تحت سقف زمني كافٍ للمراجعة والتقييم و(المحاسبة) أيضاً.
يكفي ما أُهدر من طاقات وكفاءات وسنوات، وآنَ لنا أن نفرح برياضتنا، وأن ننتمي لها قلباً وقالباً، ونحضر حيث يحضر الآخرون وبنفس الجودة، فساعتها سنقبل الخسارة على أنّها نتيجة منافسة فيها الغالب والمغلوب، لا قدر محتوم يسبق مشاركاتنا…
ربما يكون هذا قريباً مع إدراكنا أن المسألة بحاجة لبعض الوقت، وعملية تصحيح المسار يمكن اختصارها إذا ما كانت النيّات طيبة وغيورة…
لدينا بعض ما نبني عليه، وهناك ما يجب استحضاره، والفرصة متاحة كما أسلفت للاستفادة من دعم الأصدقاء والأشقاء…
ذهابنا إلى المرجو في رياضتنا (الخضراء) يجب أن ينطلق في عدة محاور متوازية (الإنسان، المنشآت، التجربة…)، وكلّ ذلك يحتاج في الدرجة الأولى إلى القرار الجريء والقوي، وإلى (مال) يُضخّ في شرايين ألعابنا تحت مجهر المراقبة الحقيقية والمساءلة القانونية الشفافة…
أعرف أن العقلية باتت مستعدة للتغيير، وربما عراقيل (مالية أو روتينية) قد تؤخّر التحرّك (الملموس)، لكن الإقلاع لن يتأخّر حسب توقعاتي، قولوا: إن شاء الله..
عشنا في وهم السعي إلى إنجاز رياضي لم يتحقق إلا قليلاً، والآن نحن على عتبة حلم نتمنى أن يكون حقيقة، وما يجعلنا نميل إلى التفاؤل، ولو بحذر، رغبة الجميع في التحوّل الإيجابي في جميع الميادين، ولن تكون الرياضة خارج السياق.
ملفات قيد الدراسة (الملكية الرياضية)
سنتطرق في السطور التالية من هذا المقال إلى موضوع ملكية الأندية الرياضية في سوريا، وهل هناك أي جديد بهذا الخصوص، بعد حضور وزارة الرياضة لأول مرة في سوريا…
هذه القصّة شائكة جداً، وقد يكون من الصعب طرحها في الوقت الراهن، ومع ذلك لا يجوز أن يبقى الوضع على ما هو عليه، ولا يجوز أيضاً التأخّر في بحثها…
أن تبقى ملكية الأندية الرياضية للدولة فهذا يعني أن الواقع الرياضي لن يتغيّر كثيراً، وستبقى هذه الأندية خاضعة لمزاجية المسؤول عن الرياضة مهما حاولنا الارتقاء بتفكيرنا…
لا نقيس على التجربة السابقة وإن كانت مساحتها كافية للقياس، ولكن ننطلق من حضور القطاع العام في مختلف المجالات والذي كان وقد يطول باهتاً وغير فعّال.
وإن انتقلنا مباشرة إلى الملكية الخاصة في الرياضة فهذا لا يكفيه قرار، ولا تستوعبه مرحلة، ويجب التأسيس له بهدوء كبير، وإن كنّا نعتقد أنه هو الخيار الصحيح، وربما المصير الحتمي..
الملكية المشتركة تجربة غير ناضجة في بلدنا حتى الآن على الأقل وبالتالي قد يكون خياراً غير مطروح حالياً…
الملكية الحكومية
سنقلّب الخيار الأول، والذي قد يكون هو المتاح حالياً، استمراراً لوضع قائم من حيث الشكل، والعمل على التغيير في مضمونه، كيف؟
من الطبيعي أن تكون ملكية الأندية الرياضية قد انتقلت تلقائياً لوزارة الرياضة التي حلت مكان الاتحاد الرياضي العام، وبالتالي، فإن المنطق يقول أيضاً أن هذه الوزارة ستوزع إمكانياتها على الأندية بالتساوي، وستضيع هذه الإمكانيات دون أي نتيجة حقيقية، ولا أعتقد أن الرياضة السورية ستستمر بـ (التسول) من رجال الأعمال كما كانت في السابق، وبالتالي لن تنهض من تحت الرماد، فما الحلّ؟
لنأخذ من الماضي عبرة، ولنبدأ بمشروع لا يلغي كلّ شيء ولا يبقي كلّ شيء، فمثلاً: عاشت الأندية التابعة لجهات حكومية غير الاتحاد الرياضي (وزارة الدفاع، وزارة الداخلية، وزارة الإدارة المحلية…) تقلبات مزاجية لكنها بشكل أو بآخر كانت (أهون) من مزاجية الأشخاص الذين تولوا رئاسة الأندية السورية، وبالتالي يمكن توسيع الدائرة وزجّ وزارات أخرى في المعادلة الرياضية ولو لفترة زمنية محددة قادمة، إلى أن تبلور وزارة الرياضة رؤيتها لمستقبل هذا الملفّ.
يمكن لوزارات مثل النفط والصناعة والزراعة والسياحة أن تمتلك أندية وترعاها وتدعمها، فيخفّ الحمل عن وزارة الرياضة، ويمكن أن تحضر المنافسة بين هذه الوزارات، وتستفيد الرياضة من هذه المنافسة.
لا أسرد أمنياتي في هذا الملف، وهذا الخيار لستُ مقتنعاً به، لكنه قد يكون خياراً مؤقتاً كما أسلفت، لأن مرجعية الأندية السورية كما هو الحال الآن ليست إيجابية، وليست ملبيّة على الإطلاق، وغير قابلة للاستمرار والتطوير.
القطاع الرياضي المشترك
تجربة القطاع المشترك حضرت في ميادين بعيدة عن الرياضة ولم تكن ناجحة بما فيه الكفاية، وستكون أكثر فشلاً في الرياضة بكل تأكيد.
هذه الفكرة طُرحت في مراحل سابقة ولم تلق القبول، ولا نعتقد أنها ستلقى القبول إن أعيد طرحها الآن.
في سياق قريب من هذا الطرح، قد نكون أكثر ميلاً لإعادة دمج الأندية، وتقليل عددها، بحيث تحضر الغربلة فيها، ويكون دعمها موضوعاً أكثر يسراً وسهولة، وقد يعارض كثيرون هذا الطرح..
أيضاً، وفي سياق متصل، وفي مدينة واحدة مثلاً يمكن أن نتجه إلى تخصيص الأندية الرياضية، مع الإبقاء على موضوع تقليص عددها…
الملكية الخاصة.. ولكن!
في ثلاثة أرباع الدنيا، فإن ملكية الأندية الرياضية هي ملكية خاصة، وليس معنى ذلك أن تكون لشخص، وإنما لمجموعات اقتصادية عملاقة أيضاً، فهل نستطيع استنساخ بعض هذه التجارب؟
سيقول البعض: أين تلك المجموعات الاقتصادية القادرة أو الراغبة في دخول هذا المجال؟
السؤال مشروع، والواقع قريب من هذه المخاوف، لكننا ننظر إلى سوريا الجديدة بكثير من التفاؤل، وبكثير من (الوردية)، وحتى لا تبقى الرياضة هي العربة الأخيرة نحاول أن نضعها في المقدمة، ونطالب القائمين عليها بتجهيز رؤيتهم بشكل جليّ وواضح، وأن تكون جاهزة لطرحها في أي مناسبة..
يمكن وضع ضوابط وآليات لهذه الملكية الخاصة، ولا مانع من استمرار أندية الهواة، ولكننا نتحدث عن رياضة نوعية نأمل أن تشرق شمسها قريباً.
والملاعب أيضاً…
الحديث عن ملكية خاصة للأندية الرياضية لا يمكن فصله عن ملكية الملاعب والمنشآت الرياضية…
الملاعب والمنشآت حالياً هي ملكية حكومية، ويمكن أن تبقى كذلك، وأن توضع في خدمة القطاع الخاص بيعاً أو استئجاراً وليس من الصعب وضع ضوابط هذا الأمر، فالأهم هو القرارات الرسمية في شكل الخارطة الرياضية السورية في المستقبل، وبعد ذلك يمكن تقليب كل التفاصيل.
تأخّرنا كثيراً عن الركب الرياضي، ورجعنا إلى الوراء عقوداً، وأن ننجح في تجميع عدد من اللاعبين (كرة القدم مثلاً)، ونجحنا معهم في استحقاق ما لا يعني أننا بنينا رياضة حقيقية، فهؤلاء اللاعبون قد لا يحضرون دائماً، ونحن هنا نتحدث في الاستراتيجيات، والبدء بالتفكير بها هو الخطوة الصحيحة حالياً، فهل نبدأ…
لدينا الكثير من العقول الرياضية القادرة على قراءة الواقع والإمكانيات، وتغلّفها الغيرة الوطنية، ووجود أناس متميزين في وزارة الرياضة يجعلنا أكثر تفاؤلاً، وأكثر طمعاً، خاصة وأن الرياضة السورية مطالبة بحرق المراحل، وتقليص المسافات مع الآخرين دون تجاهل أن الآخرين مستمرون في مسيرهم، وبالتالي فإن التحدّي كبير، بل وشاق جداً.