صاحب أول لقب عربي وأفريقي كأستاذ دولي، سليم بوعزيز: هكذا كنت ألعب وأفوز على الكبار

فارس الشطرنج شكل “عقدة” لأبطال روسيا

 

 

 تونس – كفاح رباح

في الخامسة والسبعين من العمر وما زال سليم بوعزيز كتلة من النشاط والذكاء والذاكرة الحية، صوت هادئ وكلام موزون تستمتع حين تنصت إليه.. وضحكة لا تفارق وجهه الذي لا يخلو من الخجل المصحوب بالتواضع والبساطة.. يرحب بي بكل ود ومحبة.

عندما يتحدث عن مسيرته مع هذه اللعبة الاستثنائية ترى بشكل واضح الشغف والحب لرقعة الشطرنج التي أخذته لعالم الذكاء والتكتيك والدهاء الرياضي.

تفرد سليم بوعزيز وهو ما يزال في بداية مسيرته الدولية خارج حدود تونس بالإعتماد على نفسه لمحاولة فرض وجوده ومقارعة الكبار في المحافل العالمية للعبة الأذكياء.

لم تكن الإمكانيات تسمح بأن يكون لديه مدرب أو إداري عندما يسافر شرقا وغربا لخوض اشرس المنافسات، وكان هذا الأمر السلبي من اهم الحوافز التي جعلته يعول على نفسه ويستخدم ذكاءه في الإعداد لمنافسيه خاصة عندما تسنح له الفرصة بمواجهة العمالقة أبطال العالم

 

كيف بدأ مشوارك الرياضي ولماذا هذه الرياضة؟ 

يبدأ بوعزيز كلامه ضاحكا وكأنه يستذكر طفولته التي لا تشبه طفولة أقرانه.

يقول: بدأت بالتقرب من رقعة الشطرنج وانا في سن الرابعة من العمر، حينها كنت أتخذ مجلسي بجانب والدي في بيتنا وأراقبه وهو يضع رقعة الشطرنج ويدرس المباريات وخطط اللعب مع صديقه “البشير شكر” وهو أستاذ ولاعب دولي وأراقبهم وهم يلعبون ويتدربون وكان والدي حينها يشارك في الدورات التي تنظم من قبل الجامعة التونسية للشطرنج، من هنا بدأ تعلقي أنا أيضا بهذه الرقعة المربعة لكن والدي كان لا يسمح لي بحضور المباريات إلا بعد انتهائي من الدراسة وإكمال واجباتي المدرسية.

كنت في سن 6 حين عرض علي والدي اللعب ضده كانت فرحتي شديدة ولم أصدق في بداية الأمر وعندما بدأت باللعب تفاجأ والدي بموهبتي عندما لاحظ بانني كنت أخسر معه بصعوبة، وعندما لعبت معه مرة ثانية ربحت المباراة وحينها قال لي بأنني بطل بالفطرة وشجعني كثيرا على متابعة التدريب واللعب، ولأننا عائلة رياضية فقد كنا نجتمع ونقيم مباريات عائلية ينظمها والدي في بيتنا وكنت في سن العاشرة حين بدأت بالمنافسة مع أقاربي الذين كانوا أيضا يحبون الشطرنج.

ومتى كانت أول منافسة رسمية شاركت بها؟ 

أول مباراة خضتها كانت عام 1963 وكان عمري 13 عاما حين دعيت للمشاركة في البطولة التي أقامتها الجامعة التونسية للشطرنج وكان من ضمن المشاركين أساتذة ولاعبين متمرسين وكانت نتائجي جيدة قياسا على مستوى المشاركين وكان من ضمنهم لاعبين من المغرب ولبنان.

متى بدأت مشاركتك العالمية ؟

شاركت في أولمبياد الشطرنج في هافانا بكوبا عام 1966 وهو ما يطلق عليه “بطولة العالم للفرق ” وكنت حينها في 16 من العمر أي من أصغر اللاعبين المشاركين، قابلت هناك أبطال كنت أتمنى مشاهدتهم ومعجب بطريقة لعبهم مثل السوفيتي “ميخائيل تال” والأمريكي بوبي فيشر الذي تعلمت منه الكثير بطريقة لعبه وكنت أدرس خططه سواء بالأبيض أو الأسود، وطبعا وكانت الحرب الباردة آنذاك بين أمريكا والإتحاد السوفيتي تدور أيضا على رقعة الشطرنج كما تدور رحى الحرب الباردة بينهما في الواقع، وقد نجحت خلال تلك البطولة في الحصول على نتائج جيدة وكانت الفائدة كبيرة بالنسبة لي. وقد تابعت بعدها مسيرتي بالفوز ببطولة تونس ثلاث سنوات متتالية67/ 68 / 69، ونجحت حتى قبل أن أتجاوز 17عاما من عمري في جمع 12 بطولة محلية.

وماذا عن مشاركتك بالدورة الدولية العالمية بتونس؟

تونس كانت أول دولة عربية إفريقية تستضيف بطولة بهذا الحجم عام 1967وإقيمت في مدينة سوسة، ويجيب ضاحكا: لعبت الصدفة الجميلة دورا كبيرا في مشاركتي فقد كان من المفروض مشاركة البطل العالمي الأرجنتيني “بوبو شان” لكنه لم يحضر وحينها تم تعويضي مكانه كبطل تونس. الدورة كانت تجمع أفضل لاعبي العالم وهناك تعرفت على أسماء عالمية كبيرة في عالم الشطرنج مثل ” الكولومبي كويليلار” والبرازيلي “بيركبينغ ” وبالطبع الأمريكي “بوب فيشر”.  وقد تنافست خلال البطولة مع بطل أمريكا “روبيرت بيرن” وعندما فزت عليه ضجت كل الصحافة العالمية بالحدث فكيف يفوز بطل عربي من بلد صغير مثل تونس وهو أيضا صغير السن على “بيرن”.

حدثني عن هذا الفوز ومن له الفضل بذلك؟

أجاب مبتسما وكأنه يعيش نفس النشوة بالإنتصار: السر هو بوبي فيشر الذي تعلمت منه طريقة الدفاع والهجوم، وعندما سألتني الصحافة العالمية هل سيصيبني الغرور بعد هذا الفوز، قلت لهم كلا وسأبقى أتعلم طوال حياتي لأن الشطرنج هو ملعبي ومتنفسي وعشقي.

يطلق على الشطرنج لعبة الأذكياء، برأيك هل يكفي الذكاء للفوز؟

بالطبع الذكاء مهم جدا لكنه لا يكفي، ولا بد من العمل الكبير والتدريب والدراسة والعزيمة، ولا بد من توافر هذه الشروط للوصول إلى الهدف، وانا شخصيا كنت قبل كل مباراة أدرس شخصية منافسي بدقة من حيث الطول والوزن والعمر وطريقة لعبه كلها أدرسها بالتفصيل وأجهز نفسي إذا كنت سألعب بالأبيض أو الأسود واجري إحصائيات كاملة لكل لاعب قبل البطولة، وبعدها ابني على هذه المعطيات طريقة لعبي في الهجوم والدفاع.

شاركت في العديد من البطولات العالمية والدولية وهناك من فزت عليه والبعض فرضت عليه طلب التعادل حدثنا عن ذلك؟

صحيح هناك العديد من الأبطال الذين فزت عليهم مثل البطل العالمي للشباب الهندي “أناند” وحينها عرضت عليه التعادل لكنه رفض وتابعنا اللعب، حينها صممت على الفوز وعندما انتهت النتيجة بفوزي حضر إلي جميع اللاعبين السوريين وهنأوني بهذا الانتصار وهذه اللحظة لا زالت أتذكرها بسعادة حتى الآن.

أنت تحمل لقب أستاذ دولي كبير متى تحصلت على هذا اللقب؟

كان من المفروض أن أحصل عليه عندما كنت في العشرين من العمر لكن بعض الظروف حالت دون ذلك خاصة إنني حققت العديد من النتائج المبهرة ومنها فرض التعادل على أبطال العالم الروس في اكثر من مناسبة. وفي عام 1992 نلت اللقب وكنت أول لاعب عربي وإفريقي يحصل على لقب إستاد دولي كبير وهو قمة الألقاب.

كيف تجد الشطرنج العربي ومتى تأسس وما هو الإتحاد الأكثر نشاطا؟ 

الاتحاد العربي للشطرنج تأسس بمبادرة سورية وتم تأسيسه في دمشق عام 1975 تحت شعار “العرب أمة واحدة ” بحضور سبع دول هي ليبيا تونس مصر لبنان الكويت الأردن وطبعا سوريا، وتم انتخاب أول رئيس للاتحاد هو السوري ناهض الخاني، ثم تتالى على الإتحاد رؤساء من عدة دول أخرهم الإماراتي الشيخ خالد بن حميد القاسمي حيث المقر الحالي للاتحاد العربي للشطرنج.

أما أفضل وأنشط إتحاد عربي فهو الإتحاد المصري والاتحاد الجزائري يليه الأردني والتونسي.

برأيك كيف نجذب اللاعبين لهذه الرياضة؟

نستطيع أن نجذبهم بتأمين الدورات المحلية والدولية والإقليمية ونشجعهم عن طريق تقديم الجوائز التشجيعية ومشاركاتهم في الدورات والبطولات وتامين السفر لهم لكسب المزيد من الخبرة.

ماهي أبرز المهام التي تقلدتها؟

أنا عضو شرفي في الإتحاد الدولي ونائب رئيس الإتحاد الإفريقي، عضو المكتب التنفيذي للإتحاد الدولي، سفير الفرانكوفونية للشطرنج، عضو دائم في الجمعية العالمية.

لو تحدثنا قليلا عن سوريا وواقع الشطرنج فيها وهل لديك نية لزيارتها وتقديم خبرتك للإتحاد واللاعبين..؟ 

أنا زرت سوريا عام 1989 وكانت من أجمل البلاد التي زرتها حين استضافت دمشق دورة للشطرنج، لدي انطباعات جميلة عن سوريا فهي بلد جميل جدا وأحببت شعبها كثيرا ولديكم طعام لذيذ وطيب ولو طلب مني الحضور فبالتأكيد سألبي فورا ويسعدني أن أتواجد مع هذا الشعب الطيب وكما تقولون (عالعين والراس). طبعا الظروف التي مرت بها البلاد كانت صعبة وأتمنى الأمان والتطور لسوريا حتى تعود للواجهة الرياضية من جديد

==============

 

 

مسيرة عالمية مميزة

 أتعبت منافسيه وقهرت أبطال العالم الروس.. 

في العشرين من عمره وجد الشاب التونسي نفسه وجها لوجه مع بطل العالم السوفياتي بوريس سباسكي عام 1970 ضمن الأولمبياد العالمي في مدينة ” زيغن ” الألمانية الغربية. وعوض الرهبة والخوف من هذا العملاق فإن بوعزيز دخل المباراة براحة نفسية ساعيا الى استغلال الفرصة فلربما يطيح أو يحرج النجم العالمي ويحدث اكبر مفاجأة  وقد نجح البطل العربي رغم صغر سنه في فرض التعادل بل أن ” سباسكي ” هو الذي طلب التعادل وهو ما جعل تلك المباراة بمثابة المنعرج الهام في مسيرة سليم بوعزيز.

مردود سليم بوعزيز أمام بطل العالم ” سباسكي” أعطاه شحنة كبيرة مهدت لنيله لقب أستاذ دولي عام 1975 لتسنح له بعد أربعة أعوام فرصة أخرى أمام بطل عالمي آخر وهو السوفياتي “ميخائيل تال” وتجرأ البطل التونسي في إحراج “تال” وتكرار الإنجاز عندما اضطر البطل السوفياتي للرضوخ لتعادل بدا وكأنه خسارة، وقد زاد ذلك في شهرة سليم بوعزيز على المستوى الدولي.

في العام 1982 التقى سليم بوعزيز البطل العالمي الشهير “اناتولي كاربوف” في

“هامبورغ” ورغم أن التوقعات كانت لصالح البطل السوفياتي إلا أن هذا الأخير سقط في فخ التعادل بعد أداء مبهر من اللاعب العربي. وشاءت الظروف أن يتكرر اللقاء بينهما بعد عام في مدينة “هانوفر” ليتعثر “كاربوف” من جديد ويعجز عن هزم منافسه مكتفيا بالتعادل.

في نفس عام 1982 اصطدم البطل العالمي السابق السوفياتي ” فاسيلي سميسلوف” بسليم بوعزيز ورغم خبرته فإنه لم ينجح مثل مواطنية في تحقيق اكثر من نتيجة التعادل.

نجاحات ” بوعزيز” ضد الأبطال الروس لم تتوقف. ففي عام 1983 سنحت الفرصة أمام البطل الآخر “بوريس سباسكي” ليهزم بوعزيز ويثأر لنفسه من التعادل المخيب الذي حصل عام 1970.وعلى الرغم من أن الملاحظين توقعوا أن ينجح ” سباسكي” في حسم الأمر غير أن الشاب التونسي عاد ليتألق ويفرض تعادلا جديدا كان بمثابة الفوز.

كما لم يسلم بطل العالم للشباب الهندي ” اناند ” عام 1990من حنكة ودهاء سليم

بوعزيز فقد خسر أمامه في مباراة مشهودة، ولم يمنع ذلك “اناند” من الفوز فيما

بعد ببطولة العالم للرجال في خمس مناسبات.

تلك هي قصة نجاحات فارس الشطرنج سليم بوعزيز أمام أبطال العالم الروس فقد

صمد أمامهم بكل دهاء معاكسا كل التوقعات رغم أنه لا يملك من الأسلحة سوى

الذكاء والطموح لكتابة صفحات مضيئة للشطرنج العربي والإفريقي فارضاً نفسه

كرقم صعب في خارطة الشطرنج العالمي.

=============================

رؤساء الإتحاد العربي للشطرنج منذ تأسيسه في دمشق 27/05/1975

1- ناهض الخاني

2- محمد شكري شاهين

3- محمد رضا بلقاضي

4- علي عبد الله الذيباني

5- إبراهيم الجعفري

6- إبراهيم محمد البناي

7- سعود بن عبد العزيز المعلا

8 – خالد بن حميد القاسمي

 

عن admin1

شاهد أيضاً

الملحق القاري للتصفيات الآسيوية في الدوحة والرياض

القرعة في 17 يوليو والمواجهات تنطلق في الثامن من أكتوبر       متابعة – …