ملف التحكيم: مشاهد مؤلمة من التحكيم السوري  

 

من يمنحهم صك البراءة كي لا يعتدى عليهم..؟

 

دمشق – الرياضة والحياة

لم يكن الحكام السوريين يوما في مأمن من غضب الجماهير الكروية، وعلى مدى أكثر من أربعة عقود كنت متابعا لكرة القدم بكل تفاصيلها ووجعها ومسراتها وشهدت الكثير من حوادثها وماجرى فيها.

لم يكن الحكام إلا في استثناءات قليلة تحت بند “المُرضي عنهم”، كانوا يذوقون الأمرين في حلهم وترحالهم من الجماهير المنافسة وحتى من جماهيرهم، كانوا ولا يزالون الشماعة المفضلة للجميع كي يعلقوا عليها كل أخطائهم وتقصير فريقهم، وكأنهم بلا أخطاء فيتنادون لتطبيق مقولة “من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر” فتبدأ زخات الحجارة على الملعب

وعلى رأس الحكم الذي أن اتيحت له الفرصة فيحتمي بإحدى واقيات شرطة حفظ الملاعب كي يخرج بأقل الأضرار..

متهمون والدلائل مغيبة..!

لعبة كرة القدم لم تكن تجري كلها على أرض الملعب، فمنها ما يدور خلف الكواليس وفي أروقة الإدارات والمكاتب، تلك حقيقة يعرفها كل من عاين الكرة السورية، ومرد هذا الكلام أن الحكام كانوا دائما هم الحلقة التي يمسك بها الجميع كي ينجون أو يغرقون.

الحكام هنا “لا أقصد الجميع طبعا” بعضهم يرتضي ما يجري معه، وبعضهم يكون مجبراً، وبعضهم “يغمض عين ويفتح عين”..!

ذات حوار مع العميد فاروق بوظو صرح لي وبالفم المليان ونشرته حينها، أن كرة القدم السورية كانت تعج بالفساد..

نعم وكان الحكام جزء من هذا الفساد، ولهذا فأن ما قلته  قد جر عليهم كثيراً من السخط والاعتداءات من قبل الجماهير، وهنا لا اشجع على هذه الاعتداءات، بل أقوم بتوصيفها فقط لوضع النقاط على الحروف، لأنهم كانوا ينفذون أجندات غيرهم، والمتابع يعرف كيف كانت توزع البطولات والألقاب والنقاط عبر التحكيم…

توصيف حالة الحكم هنا كثيرة، “المغلوب على أمره” أم “الباحث عن لقمة عيشه” أم “كان فرحا بهدية أو مقابلة ضابط رفيع المستوى مثلا..؟” ..تكثر التوصيفات ولكنها تأتي تحت بن غياب الضمير..

صور جارحة

لاتزال عالقة في البال صور الاعتداءات على طاقم تحكيم في هذه المدينة أو تلك بسبب نتيجة مباراة انحرفت بصافرة اقل مايقال عنها “ملونة” برأي الجماهير التي غضبت ونزلت لميدان الملعب، أو اطلقت سيمفونية الشتائم المعيبة، أو “تفششت” بالكراسي البلاستيكية أن وجدت..

مهما فعل الحكم فلن يرضي كل الأطراف التي تبحث عن النقاط وتتناسى واجبها الرياضي في الملعب، وهو مدان مسبقا وقبل أن تبدأ المباراة، فكل جمهور ومدينة يخزنون في مساحات ذواكرهم كل قصص الحكام، ويسقطونها على مبارياتهم، هذا معنا وهذا ضدنا.

رجال التحكيم سابقا والمعروف عنهم أنهم للمباريات الصعبة كانوا يعدون على أصابع اليد الواحدة، والباقي له تسعيرته كما يقول المشجعين، وهذا ربما اجحاف بحقهم..!

في مطلع التسعينيات حكم يمدد المباراة بأمر من مدرب، أو مسؤول حتى يفوز صاحب الأرض، وآخرون يتم استضافتهم بمكان راقي أو بوسط البحر، وحكام لهم حصتهم من المباريات الخارجية والتكليفات الكثيرة جراء خدماتهم الجليلة، هذه القصص يتداولها الجمهور ومثلها الكثير، لذلك تأتي الاعتداءات قاسية ومسبقة الصنع، مهما كانت الصافرة عادلة.

حرب التصريحات

لم تكن تصريحات المدربين وخصوصا الخاسرين، توفر التحكيم مطلقا، وكذلك يفعل الإداريون كي يمتصوا نقمة الجماهير في حال فشل فريقهم، حرب التصريحات قائمة على الحكام الذين لا يملكون حق الرد إلا من خلال لجانهم أو تصريح يخرج “لحلاوة الروح” مدافعا عن صافرته، هذه التصريحات تشكل ركاما من الحجارة التي تسقط على رؤوس الحكام، وكنا نعجب ونندهش من أين جاءت كل هذه الحجارة، في وقت لم تكن سوى المدرجات الأسمنتية الباردة مكانا للجلوس..؟

تأجيج الأجواء يبدأ من تلك الكلمات التي تخرج من أفواههم دون مسؤولية ولا برهان، فيقع المحظور.

لجنة الحكام

أكثر اللجان جدلا في اتحاد كرة القدم، ويقع على عاتقها حماية الحكام، وتأهيلهم ومحاسبتهم إن أقتضى الأمر وبشكل سري في أكثر الأحيان..

هذه اللجان لم تكن بريئة تماما ما ينسب إليها من اتهامات في كل الأوقات، ولكنها ليست قادرة ولا تملك كل الصلاحيات لتفعل ماتريد، وهي بالغالب شكلية، والصلاحيات التامة بيد رئيس الاتحاد، وبأيادي أخرى قادرة على أن تحرك من تريد من خلف الكواليس..!

سنوات الحرب

لعلها هي الأشد قسوة على الحكام بعد أن غادر من غادر وبقي ممن لم تتح له فرصة السفر..

كان الحكام يقومون بمهامهم وسط ظروف صعبة جدا، وكل ماحولك ينذر بالخوف والهلاك، وهناك من استطاع الوقوف ولو إلى حين دون أن يلوث سمعته أو ضميره بالفساد، ومنهم من ذهب طائعا متجنبا وجع الرأس والاعتداءات التي قد تنجم من عمله على مبدأ “هيك بدو السوق”..

تفاصيل التحكيم في سنوات الحرب لا يمكن أن تستخرج منها “صك براءة” لجميع الحكام، وكانت الشواهد كثيرة، ولكن كل ما يقال يحتاج إلى دليل وأثبات، وهذا أصعب شيء لأن مايجري كان في الخفاء ودون خجل، هكذا يتحدث العارفون ببواطن الأمور..

ولهذا لم نتفاجئ بمشجع ينزل إلى الملعب وبحركة كاراتية يهوي على الحكم، ولا بلاعبين يتهجمون بطريقة غير مسبوقة على الحكم وكأنهم في ساحة حرب لا ميدان لعب..!

مشاهد مؤلمة كثيرة شهدناها وعايشنا تفاصيلها، ولكنهم يتغاضون في البحث عن الأسباب وعن المتسببين، وعن طرق العلاج.

ليس اتهاما لأحد

ما أوردناه ليس اتهاما لأشخاص محددين، ولا انتقاص من دور الحكام، فقد شهد التحكيم السوري رجالا كانوا علامات بارزة في التحكيم الدولي والقاري، ولهم مواقف رجولية مشرفة، وما كتبناه في هذه السيرة المقتضبة هو للتأكيد على أن الاعتداءات لها مسببات وغالبا ما تكون ردات فعل، ولكننا ندين هذه الأفعال بكل صورها وأفعالها لأن الحكم سيد الملعب، وليس من مهمة الجماهير ولا اللاعبين محاسبتهم.

وكما ندين أفعال الجماهير، ندين تصرفات بعض الحكام الذين يسيرون نحو الشبهات بأنفسهم، ومن واجب المعنيين محاسبتهم أيضا.

أوقفوا المهازل

لتجنب كل ما قيل ويقال، لابد من كلمة سواء في هذا الشأن كي تستقيم الأمور مستقبلا، وتوفير الحماية اللازمة للحكام وتأهيلهم ومنحهم مايستحقون من أجور كي لا يتعرضوا للترغيب من هنا وهناك، وأن يتم تأمين كل التكنولوجيا التي توفر لهم القيام بواجباتهم على أكمل وجه.

لدينا كوادر قادرة على خلق جيل تحكيمي متميز، كي يعود التحكيم لألقه واحترامه.

 

 

 

عن admin1

شاهد أيضاً

الملحق القاري للتصفيات الآسيوية في الدوحة والرياض

القرعة في 17 يوليو والمواجهات تنطلق في الثامن من أكتوبر       متابعة – …