ظاهرة الاعتداء على الحكام في الأردن تتلاشى تدريجيا
السيدات لا يضربن الحكام
عمان – محمد الجالودي
تكاد ظاهرة الاعتداء على الحكام في ملاعب كرة القدم الأردنية تتلاشى بشكل كبير، حيث لم تشهد المباريات وخلال السنوات الخمس الأخيرة أي سلوكيات عدوانية من هذا النوع.
وقبل ذلك، كان الأردن يشهد العديد من الحوادث المؤسفة في الاعتداء على الأطقم التحكيمية سواء من اللاعبين ومدربيهم أو من جانب الأجهزة الإدارية للفرق التي يتبعون لها.
ويعتبر الجمهور هو العنصر الأكثر ميلا للعنف في هذا الجانب، حيث سجلت البطولات المحلية اقتحام المتفرجين للملاعب والقيام بضرب مبرح للحكام، خصوصا في اللقاءات التي يغيب عنها رجال الأمن العام.
النطحة الأشهر
تعتبر (نطحة) حارس مرمى المنتخب الأردني عامر شفيع للحكم الدولي أدهم مخادمة خلال مباراة الوحدات مع منشية بني حسن في موسم 2011 هي الأشهر في الأردن، والتي حدثت ضمن منافسات من الدوري الممتاز.
وقام شفيع في الوقت المحتسب بدل من الضائع بضرب المخادمة بعدما أشهر له البطاقة الحمراء ليتخذ الحكم على إثر ذلك قرارا بعدم استكمال المباراة.
واتخذ الاتحاد الأردني لكرة القدم وقتها قرارا بإيقاف شفيع لمدة عام عل إثر اعتداءه المذكور، لكن العقوبة لم تستكمل حيث تم إصدار عفو خاص عن جميع العقوبات المتخذة ضد اللاعبين والأندية.
اعتداءات متواصلة وقرار غريب
ويعتبر عام 2012 أسوء موسم يشهد حوادث اعتداءات ضد الحكام حيث تم الاعتداء على الحكم احمد فيصل خلال لقاء شباب حسبان والطالبية في ملعب الهلالية في دوري الدرجة الثانية من قبل الجمهور.
وتلاها في نفس العام الاعتداء على الحكم صدام عقيل في دوري الدرجة الثالثة عندما احتسب ركلة جزاء لصالح كفر راكب ضد المزار على ملعب كفرسوم في دوري الدرجة الثالثة.
كما قام لاعبو وجمهور فريق صما احد انديه الدرجة الثانية لكرة القدم بالاعتداء على طاقم الحكام المكون من أدهم مخادمة وسمير غنام ومعتز الفراية الذي قاد مباراة فريقهم مع حرثا في المباراة التي أقيمت على ملعب بلدية اربد في اطار الدور النهائي من دوري انديه الدرجة الثانية.
وجاء الاعتداء بعد أن وجه الحكم عقوبة الإنذار (البطاقة الصفراء) للاعب من فريق صما الذي قام على الفور بالاعتداء البدني على الحكم، والذي اشهر له الكرت الأحمر ليتعرض طاقم الحكام بأكمله لاعتداء جماعي من قبل لاعبي وجمهور فريق صما الذين دخلوا ارض الملعب بصورة غير مألوفة قبل أن يتدخل رجال الأمن العام.
في موسم 1999، فرض التعادل نفسه على لقاء القادسية مع الفيصلي ولان الأخير كان في منافسه على اللقب مع الوحدات قام لاعبوه بالاعتداء على حكم اللقاء الذي قرر إنهاء المباراة قبل وقتها الأصلي.
الاتحاد الأردني لكرة القدم اتخذ قرارا غريبا من نوعه فبدلا من معاقبة اللاعبين الذين قاموا بضرب الحكم قرر إعادة اللقاء من بدايته وإلغاء نتيجة التعادل. ما تسبب بعد ذلك في الغاء الدوري نهائيا بعد أن اعترض الوحدات وهدد بالانسحاب على اثر القرار.
حتى الصغار يعتدون..!!
لم تخل منافسات الناشئين من الظاهرة فرغم أنها مسابقات تعتبر من أبرز القواعد الهامة لصقل لاعبي كرة القدم الصغار على المهارات والأخلاق المثالية، لكن ذلك انقلب تماما عن القاعدة المعروفة؛ إذ شهدت مباراة فريقي الفيصلي وشباب الأردن التي جرت في دوري الناشئين الأردني لكرة القدم، حادثة اعتداء على حكم المباراة واعتراضات قوية، رغم صغر سن اللاعبين الذين لم يتجاوزوا الـ 16 عاما.
ولم تكن أحداث المباراة والتي يعول عليها لبناء المستقبل الكروي في الأردن، لتمر مرور الكرام، بعدما قام أحد اللاعبين من فريق الفيصلي بضرب الحكم المساعد الثاني، في مشهد لم يكن متوقعا ولا منتظراً، اعتراضاً على قراراته التحكيمية ومنها احتسابه هدفا لفريق شباب الأردن، رغم وجود حالة تسلل وإلغاء هدف آخر للفيصلي بداعي التسلل، ليشتعل فتيل الأزمة في المباراة ويختلط الحابل بالنابل.
استباحة الحكام وصل الى المدارس حيث تم الاعتداء على الحكم في العديد من بطولات الصغار التي لا يتجاوز التنافس فيها عن شرف الحصول على المراكز بعيدا عن أية مكاسب مادية.
واعتلى ثلة من طلاب المدارس على حكم دولي في دورة الاستقلال المدرسية التي تنظمها وزارة التربية والتعليم، فكانت خيارا بعيدا عن الطريق القويم في الخطوات الأولى نحو عالم كرة القدم، ثم تطور الأمر الى طلبة الجامعات في بطولة مماثلة، وكأن العلم لم يكف ليكون ساترا بين هؤلاء الطلبة الصغار، وبين تعلم أصول التعامل مع الحكام الذين يمثلون القضاء في الملعب.
فبعد مجموعة من الخروقات للدورة المدرسية والجامعات، كانت معركة اللاعبين مع الحكام تدور رحاها في بطولات فرعية.
اعتداء صارخ
وقبل 7 سنوات تداول ناشطين وعلى نطاق واسع عبر المواقع الإلكترونية، يظهر مجموعة من لاعبي وجماهير فريق ذات راس وهم يعتدون على زملائهم من فريق اليرموك، ويطاردون حكم المباراة في أرجاء الملعب ويضربونه “بما ملكت أيديهم”، في احدى مباريات من دوري تحت 19 عاما والتي جرت على ملعب جامعة مؤتة في الكرك.
واظهر المقطع الحكم يجري يمينا وشمالا في محاولة لتفادي الضرب وسط محاولات يائسة من بعض الإداريين لإيقاف اللاعبين والجماهير عن الإمعان في ضرب الحكم، الذي لم يستطع إكمال المباراة.
وخلال أسبوع واحد فقط كان أربعة حكام يتعرضون لضرب مبرح عام 2018 وكأنهم قادمون من كوكب آخر من عدد من اللاعبين والإداريين الذين غابت ضمائرهم، وأخفوا وحشيتهم باللباس الرياضي الذي ينبغي أن يكون شريفا وواقيا لكل سلوك خارج عن الأخلاق، وتحولوا الى وحوش بشرية تنهش في لحم شخص تهمته الرئيسية الحكم بين المتخاصمين بعدل القانون.
وكون القانون يقف دوما مع الحق، كان الخارجون عنه يجدون الفرصة في التنفيس عن عجزهم بالقيام بأسهل الحلول والتي تجسدت بالاعتداء البدني على التحكيم، ولم يختاروا الحلول الصعبة التي تلزم الرياضي بالصبر والمثابرة وقهر الظروف لصناعة الفوز من رحم الخسارة وينزع الانتصار من بين ثنايا الألم، وبدلا من إنارة شموع الأمل والسعي لتعويض حُكم شعر من خلاله بالظلم.
عدوى عربية
وأثارت المباراة النهائيّة في البطولة العربية، التي جمعت نادي الترجي التونسي بنظيره الفيصلي الأردني، وانتهت بفوز الأول بنتيجة 3-2، جدلا واسعا في عام 2017.
انتهت المباراة بأحداث الشغب بعدما هاجمت الجماهير الأردنية الحكم المصري إبراهيم نور الدين ما دفع بقوات الأمن المصرية إلى اعتقال العشرات منهم، قبل أن تفرج عنهم في وقت لاحق.
واعتبرت الأوساط الرياضية العربية وقتها أن ضرب الحكم تصرفا يتنافى مع الروح الرياضية ولا يمت لكرة القدم بصلة.
أعذار واهية
نظريات العنف والعدوان في علم النفس تؤكد أن الضعيف يستنجد دوما بمخالفة القانون في محاولته للتغلب على القوي الذي يفوق بفنيات اللعبة ومخزون اللياقة البدنية والأخلاق العالية، كما أن المهزوم دوما هو المبادر لعملية الاعتداء كونه يبحث عن عذر ينفس فيه مشاعره الانهزامية، فيتهم الحكم بالتحيز أو اتخاذ قرار خاطئ أو استفزاز اللاعبين التي لها طرق حضارية أكثر ملاءمة في التعبير عنها بعيدا عن حالات الاعتداء والضرب
حاول اتحاد الكرة وضع مجموعة مقترحات تشدد عقوبة اللاعبين الذين يعتدون على الحكام ويشرك الأندية في تحمل مسؤولية هذه التصرفات من خلال رفع الغرامات المالية المترتبة عليها جراء مثل هذه الحالات، مع إلزام الأندية دفع هذه المبالغ قبل خوض المباراة التي تلي حادثة الإعتداء وإلا تعرضت للشطب من سجلات الاتحاد وتحرير كافة لاعبيها، كما يستثني اتحاد الكرة باستمرار كل لاعب ثبت أنه اعتدى بالضرب البدني على الحكام من قرارات الإعفاء الاستثنائي التي يقررها بين فترة وأخرى مؤكدا وقوفه بصلابة أمام هذه الظاهرة.
دراسة ميدانية
في احدث دراسة ميدانية قام بها مجموعة من الباحثين بهدف الكشف عـن مظاهـر شغـب الملاعـب والاعتداء علـى الحكام المجتمع الأردني والأسباب المؤدية لذلك.
ولتحقيـق هـذا الهـدف تـم الاعتماد علـى أداة المقابلـة الشخصيـة بواسطـة استمارة خاصة تم تطويرها من قبل الباحثين للوصول إلى النتائج المرجوة، وقد تضمنت خمس مجالات: (الأسباب النفسية، الأسباب التربوية، الأسباب الاجتماعية، الأسباب الاقتصادية، الأسباب الإعلامية).
وتم اختيار عينة عشوائية بلغت (356) فرداً من مشجعين، وأكاديميين رياضيين، ومعلمين، ومشرفين تربويين، وحكام، ولاعبين.
كمـا تم استخدام أساليـب التحليل الإحصائي الوصفي، وتحليل التبايـن الأحـادي واختبار شيفيه لتحقيق أهـداف الدراسـة.
توصلت نتائـج الدراسة إلى أن التوتر والقلق والعصبية الزائدة وبخاصة أثناء المنافسات النهائية يؤدي إلى شغب الملاعب، وأن غياب الدور التربوي للأسرة في توعية الأبناء نحو الممارسة الرياضية الصحيحة يؤدي إلى الشغب الرياضي، ويثير التلفظ بالألفاظ النابية من قبل بعض المشجعين حفيظة مشجعي الفرق الأخرى وهذا بدوره يؤدي إلى الشغب الذي تكون نتيجته ضرب الحكام وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، كما يؤدي ضعف التوعية الإعلامية إلى الشغب الرياضي.
واعتبرت الدراسة أن لعبة كرة القدم أولى الألعاب التي يكثر فيها الشغب الرياضي.
وبناءً على النتائج أوصت الدراسة بضرورة العمل على التثقيف الإعلامي من قبل الوسائل الإعلامية المتخصصة بشكل مستمر، لأجل التنبيه للمخاطر المترتبة على شغب الملاعب، وإيجاد قوانين صارمة لمن يرتكبون الممارسات غير الأخلاقية أو التي تتسبب بإتلاف الممتلكات العامة والتي يكون سبب نشوئها هو الشغب.
أبو خديجه شاهد عيان
الحكم الدولي المتقاعد أحمد أبو خديجه وقع ضحية شغب الملاعب في موسم 1999، عندما كان يدير لقاء بدوري الدرجة الأولى بين فريق الرصيفة ونظيره ذات رأس حيث قام لاعبي الأخير بالاعتداء عليه بالضرب نقل على اثرها للمستشفى للعلاج، ولم يتخذ اتحاد كرة القدم وقتها أي قرارات رداعه وحازمه بحق المتسببين الذي عادوا للملاعب وكأن شيئا لم يكن.
ويصف أبو خديجه الحادثة “للرياضة والحياة” بالمرعبة وانه لم يكن يتوقع أن يتم الاعتداء بهذا الشكل الوحشي.
وطالب الأندية والاتحادات بضرورة عقد دورات لفرقها قبل بداية كل موسم لتوعية اللاعبين وتثقيفهم باي تحديثات تخص التعليمات الفنية والإدارية.
ويضيف: قراراتي التحكمية وقتها لم تكن مثيرة للجدل لكن لاعبي ذات راس يومها حاصروني بضرب مبرح كدت افقد فيها إحدى عيوني.
الحافي: يجب تثقيف الجماهير
ويفسر الحكم الدولي المتقاعد في لعبة كرة القدم إسماعيل الحافي الظاهرة بانها تعود لعدة أسباب من بينها غياب الثقافة الرياضية عن الجماهير، وهو امر يجب التنبه له، مشيرا أن توعية المتفرجين مسؤولية اجتماعية مطلوبة من الأندية والاتحادات والإعلام.
وأضاف: أن الجماهير تتعامل بشكل عاطفي مع قرارات الحكام، وبالتالي لا تعي ما تقوم به من انفعالات وسلوكيات عدوانية مؤذية، وهي نتيجة طبيعية كونها تجهل التعليمات الفنية، وهو امر للأسف منتشر بشكل اكبر في ملاعبنا، وربما تكون قطر هي الدولة العربية الوحيدة التي لا تشهد مبارياتها أي أعمال وتصرفات مثيرة للشغب.
وزاد بالقول: من خلال تجربتي كحكم وجدت أن أي سلوك غير مسؤول سواء من لاعب أو مدرب أو إداري يؤدي الى اندلاع شغب أو اعتداء داخل الملعب.
واعتبر الحافي أن بعض وسائل الإعلام ومن خلال عدم حيادتيها في بعض المواقف تسهم في تعزيز السلوكيات الخاطئة عند الجماهير التي تثور في لحظة بسبب كلمة من صحفي لا يلتزم بالمعايير الأخلاقية للصحافة والإعلام.
عابد: السيدات لا يضربون
أما الحكم الدولي السابق هبة عابد فقد اعتبرت في حديثها “للرياضة والحياة” أن الثقافة والبيئة التي ينشأ فيها اللاعب أو المدرب والضغوطات النفسية واحدة من الأسباب الرئيسية للشغب.
وأضافت عابد التي تعمل حاليا محاضرة ومقيمة دولية وآسيوية أن من الأسباب الأخرى الضغوطات المرتبطة بمصير الفريق فيما يتعلق بالثبات أو الهبوط أو ضياع فرصة المنافسة على اللقب دافعا أمام اللاعبين والجمهور لافتعال حوادث الشغب.
واختتمت بالقول: أن مباريات دوري السيدات لم تشهد أي حوادث ضرب للحكام وهو مؤشر إيجابي يصب في مصلحة اللعبة.